سفير الشهادة , مسلم بن عقيل .
سفير الشهادة و نائب سيد الشهداء عليه السلام , و مبعوثه من مكة على الكوفة , هو مسلم بن عقيل عليه السلام , هو سراج وضاء للحق ، و شخصیة بارزة للدین و الھدى ، و أهلاً لحمل أعباء النیابة الخاصة عن إمام العصر و حجة الوقت , و لذلك اختاره سید الشھداء عليه السلام من بین ذویه الأطایب , و شهد له عليه السلام بشهادة عظيمة ليس لأحد غيره مثلها , حيث قال عنه الإمام الحسين عليه السلام : ( و أنا باعث أليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي ) .
فأبو عبدا لله عليه السلام لم یرسل مسلم إلى العراق سفيراً من قبله إلا وھو یعلم أنه من فقهاء بیته الهاشمي ، وعلماء أسرته وأتقیاء فئته ، وساسة ذویه ومن ذوي الحنكة و الحكمة، وإنه قادر على إقامة الأمت والعوج ، وتھذيب الأمة وإصلاح الفاسد ودحض الأباطیل ، فلا یحتاج إلى شرح ما یجب علیه من الأعمال لعلمه عليه السلام بأهلية مسلم بن عقيل عليه السلام , و من ھنا اقتصر الإمام الشھید في صك الولایة على تعریف أھل الكوفة بأن مسلماً أخوه وثقته ، والمفضل عنده من أھل بیته .
نشأ مسلم مع العلم والتقوى والبطولة ، والھدى والحزم ، فكان له نصيب المشاركة مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفين , و شرف النصرة لإمام الدين , كانت شهادة مسلم بن عقيل يوم التاسع من ذي الحجة يوم عرفة عام 60هـ , و دفن في الكوفة , و كان بذلك أول شهيد في درب الشهادة , الذي خطه سيد الشهداء عليه السلام , مع ذلك فقد جرى على مسلم ما جرى في كربلاء , و حل به ما حل بهم من البلاء , نعم , اختلفت البلاد , و اختلف الجلاد , و لكن جرى عليه ما جرى على الشهداء في كربلاء فساواهم في مصابهم , لقد قضى مسلم ليلة الشهادة كما قضاها نظراءه في كربلاء , أحيها بالصلاة و القيام و الذكر و الاستغفار , و المناجاة و تلاوة القرآن , كما أحيا الشهداء ليلة الشهادة في كربلاء , و كانت له طوعة رضوان الله عليها , كما كانت زينب للحسين عليهما السلام , أرشدته حين كان حائراً , و آوته حين كان مشرداً , و كأن الله أراد ان يكون للمرأة دور في واقعة كربلاء من أول انطلاقها .
و كما مضوا عطاشى في كربلاء , فقد أشتد به العطش في الكوفة حتى قضى عطشاناً , و تكالبت عليه الألوف كما هو المشهد في كربلاء , و رمي الحجارة و رشق بقصب النار, فهو ذات المشهد في كربلاء , و تكسرت أضلاعه , كما تكسرت أضلاعهم , و ضرب عنقه و فصل رأسه كما ضربت أعناقهم و فصلت رؤوسهم , و كما لم يدفنوا ثلاثاً , فقد بقي مسلم عليه السلام مصلوباً عند باب الكناسة , و حين بعثت رؤوسهم ليزيد , سبقهم رأس مسلم بن عقيل و علق رأسه على باب دمشق , كما علقت رؤوسهم على رؤوس الرماح , فشاركهم مسلم عليه السلام في كل ما مضى , و لم ينسى مسلم ما سيجري على أولاد الحسين عليه السلام و عائلته , فكان لأولاد مسلم نصيب مع أولاد الحسين عليه السلام , فكما كان مسلم أول شهيد لسيد الشهداء كان أبنه عبد الله أول شهيد من بني أبي طالب في كربلاء بعد علي الأكبر عليهما السلام , و له ابن آخر أستشهد في كربلاء , فكان لأولاده وقفة بمشھد الطف یوم التطمت أمواج الضلال ، وتحزبت عصب الشرك على سید شباب أھل الجنة , هذا نصيب أولاده من الشهادة , أما من السبي فكانت له بنت ذات ثلاثة عشر عاماً صاحبت بنات الحسين عليه السلام , و كما كان مسلم بن عقيل عليه السلام أول من فتح باب الفداء , فبأبنائه ختم , فقد أسر بعد مقتل الحسين عليه السلام ولدين لمسلم و هما محمد و إبراهيم و بقيا سنة في السجن ثم قتلا , فكانا آخر من أستشهد ممن حضر واقعة الطف كما كان أبوهما أول من أستشهد . هذا هو مسلم بن عقيل و هؤلاء هم أبنائه , كانوا مصداقاً لقوله تعالى : (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) .
محرم 1432هـ
المصادر :
1 - منتهى الآمال في تواريخ النبي و الآل , الشيخ المحقق العلامة عباس القمي .
2 - موسوعة عاشوراء , جواد محدثي .
3 - الشهيد مسلم بن عقيل , العلامة السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم .
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق