حقوق المعلم و فضله في الإسلام .

حقوق المعلم و فضله في الإسلام
بقلم / ماجد الفردان .

للمعلم عائدة عظيمة على الطلاب , فهو الذي ينقذهم من متاهات الجهل , و يقيم في نفوسهم معالم الفكر و المعرفة , إن المعلم له الأيادي البيضاء على الطلاب بما أسداه عليهم و قدمه لهم من نعمة ال...علم , و يكفي في الدلالة على عظم المعلم ما تحدث به القرآن بأن جعل تقوى الله شرط كرامة الإنسان و فضله و تميزه , حيث قال : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) , ثم حصر التقوى في العلماء و أهل العلم حيث قال : (إنما يخشى الله من عباده العلماء) , كما أن القرآن الكريم حصر العظمة في الكون في وحدانية الله عز و جل ثم في العلم و العلماء , بقوله : (شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولو العلم) , و قد أوضح القرآن بأن التعليم من وظائف الأنبياء في قوله : (و يعلمكم الكتاب و الحكمة) .
إن المعلم كالسراج الذي يستضيء به طلابه , و ما أجمل هذا التشبيه من الإمام الباقر عليه السلام حيث يقول : (العالم كمن معه شمعة تضيء للناس , فكل من أبصر بشمعته دعا له بخير) , و هو كما ورد في فضل تعليم العلم " و تعليمه من لا يعلمه صدقة , و بذله لأهله قربة , و هو الأنيس في الوحدة " كما في الحديث النبوي , و جاء في فضل المعلم و طالب العلم , عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم : ( من أحب ان ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين , فو الذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة , و بنى له بكل قدم مدينة في الجنة ) .
و في معرض حديثنا عن حقوق المعلم لا يمكننا أن نقفل عن ما سطره الإمام زين العابدين عليه السلام في دستور الحقوق الإسلامي , المعروف "برسالة الحقوق" , حيث خصص من ضمن الحقوق حقاً خاصاً للمعلم جاء فيه : (و أما حق سائسك بالعلم : فالتعظيم له , و التوقير لمجلسه , و حسن الإستماع إليه , و الإقبال عليه , و المعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك , و تحضره فهمك و تزكي له قلبك , و تجلي له بصرك بترك اللذات , و نقص الشهوات , و أن لا ترفع عليه صوتك , و لا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب , و لا تحدث في مجلسه أحداً , و لا تغتاب عنده أحداً و أن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء , و أن تستر عليه عيوبه , و تظهر مناقبه , و لا تجالس له عدواً و لا تعاد له ولياً , فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله تعالى أنك قصدته , و تعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس ) .
لقد أورد الإمام عليه السلام في هذا النص ثمانية عشر حقاً للمعلم , ليجعل من هذا النص , نصاً مثالياً لا تضاهيه النصوص بأجمعها في عظم و فضل حقوق المعلم , ليكون هذا النص منطلقاً لمعرفة حقوق المعلم و مادة أساسية في تنظيم حقوقه .
إن للمعلم حقوقاً كثيرة كما أوردها الإمام عليه السلام , ليس على المتعلمين منه فحسب , بل على المجتمع ككل , فالمعلم بطلابه يبني المجتمع ليرقى به نحو الرفعة و العلو , فهو مصدر الوعي الذي يستمد منه للنهضة العلمية و الحضارية في كافة العلوم و المجالات كل معلم في مجاله و تخصصه , و بجهودهم العلمية و الفكرية تبنى الحياة و تزدهر البلاد و تستنير العقول .
لقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام في فضل المعلم و تعليمه للعلم أحاديث كثيرة , منها ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام : ( إن الذي يعلم العلم منكم له مثل أجر المتعلم و له الفضل عليه فتعلموا العلم من حملة العلم و علموه إخوانكم كما علمكموه العلماء ) , و جاء في فضل علماء الشيعة و معلميهم عن الإمام العسكري عليه السلام : (تأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا و أهل ولايتنا يوم القيامة و الأنوار تسطع من تيجانهم) , إن حث الأئمة عليهم السلام على نشر العلوم و المعارف و إشاعتها بين الناس يهدف إلى تنوير العقول و تهذيب النفوس بالعلوم و المعارف و سد أبواب الجهل التي توجب انحطاط النفس البشرية .
و ما أعظم كلمة أمير المؤمنين عليه السلام في حق المعلم بقوله : (من علمني حرفاً كنت له عبداً) , بالتأكيد أن الإمام عليه الصلاة و السلام لا يريد بالعبادة المعنى الحقيقي الذي لا يجوز إلا لله سبحانه و تعالى , بل معناها المجازي كي يعلمنا أن نخضع للمعلم و أن نكون طوع أمره , و أن نعتبره مصدر الإلهام في حياة الأمة , و نور طريقها نحو العلم و المعرفة .
ختاماً لقد حث الاسلام على طلب العلم , كل علم بلا استثناء , لأنه بالعلوم نتعرف على قدرة الله عز و جل و عظمته في خلقه , لقد حث الإسلام على تعلم العلوم ليرقى بالإنسان من براثن الجهل إلى رفعة العلم و علو المعرفة , و لا يمكن لأي فرد منا ان يتقن علماً من دون معلم , فعليه أن يختار معلميه بدقة و عناية , كما يختار أحدنا الطبيب الماهر , كما أن أشرف و أفضل هذه العلوم هي العلوم و المعارف الدينية التي تعرف العبد بخالقه و تعرفه بجلال و عظمة ربه , و تجعل الفرد منا مرتبطاً بنبيه و اهل بيته عليه و عليهم الصلاة و السلام , كما عن الإمام علي عليه السلام : (أول الدين معرفته) أي معرفة توحيد الله عز و جل , قال الإمام الصادق عليه السلام : (عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً , فان من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة و لم يزك له عملاً) , و قال عليه السلام : (لو أتيت بشاب من شباب الشيعة لا يتفقه لأدبته ) .



_____________________
بقلم : ماجد الفردان .

المصادر /
1- شرح رسالة الحقوق ج1, حسن السيد علي القبانجي .
2- الإسلام و حقوق الإنسان , العلامة المحقق باقر شريف القرشي .
3 - شجرة طوبى ج2 , العلامة الشيخ محمد مهدي الحائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق